حيّ العرب، الملعب البلدي، حرج بيروت، حارة اليهودي، السبيل، صبرا، الجامعة العربية، حمد، ساحة ابو شاكر ووطى المصيطبة، هي معالم رئيسية تُعرف بها منطقة طريق الجديدة. لا تزال الأخيرة تحتفظ بطابع عمراني مديني يميزها عن بقية الأحياء التي تشهد تحولات «تنسف» نسيجها الاجتماعي. بمعنى آخر، لا تزال طريق الجديدة تتمتع بمفهوم «المدينة»: جماعات تتفاعل في ما بينها دفاعاً عن مصالح مشتركة، وفق ما يعرفها المعماري رهيف فياض.
هذا ما خلصت إليه قراءة استديو «أشغال عامة» للواقع المديني في تلك المنطقة من بيروت، إلا أن هذه الخلاصة بدت «مبهمة» أو «عامّة» لا تستند إلى تعريف واضح للتفاعل والدفاع عن المصالح المشتركة، أي أنها لم توضح كيف تجرى ترجمة هذه المفاهيم النظرية على أرض الواقع. هل يقوم تفاعل فعلي بين القاطنين في طريق الجديدة يفضي الى صراعات مدينية تعبّر عن مصالح عامّة؟
يشير استديو»أشغال عامة» الى أن معظم سكان طريق الجديدة هم من المستأجرين القدامى. وفيما كان معدّل الوحدات المستأجرة في الكيلومتر المربع في بيروت 2000 وحدة سكنية عام 2004 (بحسب الاحصاء المركزي)، بلغ في منطقة المزرعة، حيث تقع طريق الجديدة، نحو 3400 وحدة سكنية مستأجرة في الكيلومتر المربع، وهو معدّل يعّد مرتفعاً، فيما قّدر عدد عقود الإيجارات القديمة في هذه المنطقة بنحو 12557 عقداً.
تعدّ هذه المعطيات، ضرورية لفهم الواقع المديني في منطقة طريق الجديدة، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، لا سيما في ظل قانون الإيجارات الجديد. وبالتالي، فهم المخاطر والتحوّلات التي ستشهدها المنطقة، على صعيد نسيجها الاجتماعي خدمة لـ «شراهة» تجار العقارات والمستثمرين العقاريين التي عززتها سياسات الدولة، بدءاً من قانون البناء وصولاً الى القانون الحالي للإيجارات. هذه السياسات هي التي جعلت من بيروت «مدينة طاردة لسكانها»، وفق ما يصفها فياض.
يتوزع المستأجرون القدامى في طريق الجديدة، بحسب المسح الميداني الذي قام به «أشغال عامة» على الشكل التالي:
-شارع عفيف الطيبي، وهو شارع مكوّن من مبان سكنية، غالبية طوابقها الارضية عبارة عن محال تجارية، وسكان هذا الشارع خليط من المستأجرين القدامى ومالكي الشقق.
-أحياء أبو شاكر والطمليس، وهي الأحياء الأفقر في المنطقة، غالبية مبانيها لا تعد مرتفعة، الا انه «تم اختراقها بعدد كبير من المباني الجديدة التي استبدلت المباني القديمة».
-شارع الروّاس ومحيطه، خلال السنوات العشر الماضية، تغيّر شكل الحي «بشكل جذري»، بعدما تم هدم غالبية المباني القديمة وبالتالي إخلاء المستأجرين القدامى (سكان طريق الجديدة الأصليون)، واستبدلت هذه المباني بأبراج سكنية، حصل المالكون القدامى على عدد من الشقق فيها. ولا يزال الشارع يحوي عدداً قليلاً من المستأجرين القدامى.
-شارع حمد، تاريخياً، سكن هذا الحي سكان من ذوي الدخل المرتفع. بعد الحرب الأهلية أصبح تجمعاً لعائلات متوسطة الدخل. عمرانياً هو من أكثر الأحياء التي تعتبر مبانيه القديمة في وضع جيّد ومحافظ عليها، وغالبية سكانها من المستأجرين القدامى.
-حي العرب، حي تاريخي وسكانه من متوسطي الدخل وبغالبيتهم من المستأجرين القدامى.
يشكّل التعرّف إلى هذه الأحياء، مدخلاً ضرورياً يخدم ما يصبو اليه استديو «أشغال عامة»، في مشروع «أن نرسم بيروت من روايات مستأجريها»، وهو عبارة عن ورش عمل تشارك فيها مجموعة من الشابات والشبان للتعرّف إلى منطقة من مناطق بيروت. افتتحت أول من أمس، في الجميزة، أولى ورشات العمل في ما يخص منطقة طريق الجديدة. شارك بهذه الورشة شبان وشابات، بعضهم من سكان طريق الجديدة، الذين تفاعلوا والخرائط التي تبين الأحياء القديمة في المنطقة وباتوا «يتنافسون» في الاستدلال عليها مستمتعين بالسرد التاريخي للمنطقة الذي عرضته الناشطة عبير سقسوق، والبعض الآخر بدا مهتماً بأمور المدينة والحق في السكن، مركزاً الحديث على تجربة السكن لكل منهم.

لا تزال طريق
الجديدة تحتفظ بطابع عمراني مديني يميزها عن بقية الأحياء


يقول خليل، الشاب الذي يسكن في صيدا بعيداً من أهله المستقرين في الخليج، ان «المغتربين لهم افضلية السكن بالمقارنة مع بقية اهل المدينة المستقرين فيها، لأنهم يملكون القدرة المالية على استملاك الشقق، فيما وجب ان تكون الأولوية لأهل المدينة»، مضيفاً انه كان يسكن في صغره في منطقة «مختلطة اجتماعياً وطائفياً»، وعندما انتقل بعد التسعينيات الى السكن في منطقة أخرى وجد انها «محددة لذووي الدخل المرتفع» وهو أمر عدّه الشاب «غير سليم». في نهاية مداخلته، يخلص الشاب الى ان المضاربات العقارية التي يشهدها البلد لم تسلب أهل المدينة حقهم في السكن فحسب بل عززت الفرز الطائفي والمناطقي.
مداخلة خليل تكملها مداخلات لشابات كن يسكن طريق الجديدة، إلا أن أهاليهن، الذين هم من المستأجرين القدامى، أُجبروا على ترك منازلهن.
مريم، كانت تسكن في طريق الجديدة، إلا أن أهلها فوجئوا بإنذارهم بالإخلاء بهدف هدم منزلهم بعد «حبكة قام بها المالك»، حينها اضطروا الى ترك المنطقة والانتقال الى الضاحية.
اللافت هو ما تطرّق اليه بعض سكان طريق الجديدة: سياسة غض نظر الدولة عن البناء العشوائي التي تقوم داخل المخيمات في المنطقة وعلى أطرافها. «في الداعوق، أعطى الدرك مهلة 24 ساعة للبناء، ومن وقتها بلشت العشوائية وبعدها لهلق بمباركة المسؤولين»، تقول احدى سكان طريق الجديدة الحاليين، لافتة الى «خطر هذه الابنية التي لا تقوم على أسس صلبة ومهددة بالانهيار»، مستطردة: «بكرا بيقولو بناء قديم». تخلص الناشطة نادين بكداش بعد هذه المداخلة الى القول إن «تصرف المخفر في هذا المجال، ليس الا خطوة لتنفيس ازمة السكن التي تخنق المدينة في ظل غياب قانون يحمي حق السكن في المدينة».
يمثّل مشروع استديو «اشغال عامة»، بحسب منظمّيه، «مبادرة لمناقشة إمكانيات السكن في بيروت، وفهمها ضمن سياقها التاريخي والاجتماعي»، وبالتالي «إعادة صياغة النقاش حول قوانين الإيجارات والسكن، وطرح وجهات نظر جديدة انطلاقاً من مفهوم الحق في المدينة»، وإيجاد مساحة لمناهضة السياسات المدينية الحالية القائمة على «طرد» السكان خدمة للمضاربات العقارية.
كما يشكّل المشروع مبادرة لافتة، في ظل نظام الايجارات الجديد المثير للجدل، وفي ظل غياب قانون وسياسة اسكانية تحمي حق السكن.




الحق في المدينة والسكن

سعياً لتفعيل الحق في المدينة والسكن، ينّظم استديو «أشغال عامة»، مجموعة من ورش عمل للشبان والشابات ممن لديهم/ن اهتمام في القضايا المدينية، وتتناول إشكالية السكن في بيروت مع التركيز على تجارب المستأجرين/ات القدامى في تأمين السكن في المدينة والخطر المتمثل في إخلائهم/ن.
في كل ورشة عملٍ، ستكون هناك تجربة جماعية في البحث الميداني وفي النقاشات التي تليه، للتعرّف الى حيٍّ من أحياء بيروت من خلال روايات سكانه المستأجرين/ات، والاطلاع على تاريخ الحي، وتشكّله، وملكيّة الأراضي فيه، وكذك المشاريع العقارية المخطّط لها.
للاطلاع على طبيعة ورش العمل:
http://publicworksstudio.com/
https://www.facebook.com/events/494734494019968/